[معلومات العضو Miloud0175]

حياة مليئة بالمتاعب وأسطورة يلفّها الغموض.
[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الروابط .. للتسجيل فضلاً اضغط هنا] [عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل لمشاهدة الروابط .. للتسجيل فضلاً اضغط هنا] * المهنة: التسوّل والكهانة.. ونظام المجتمع غير مُعترفٍ به
* الزواج صفقة يُبرمها الأبوان ولا مسؤولية على الأموات بتشييعهم
* الحماية من لدغات الثعابين بطلاسم وتعويذات سحرية

من منا لم يسمع بقبائل "بني هجرس" و"بني عداس" الجزائرية التي لا يُعرف عنها سوى كونها مجتمعات بدوية تعيش حياة الترحال أو في تجمعات سكنية غير مستقرة على غرار تجمعات منطقة "الحاسي" بضواحي سطيف، ومناطق أخرى في ولايات من الشرق والغرب، لكن الذي قد يكون مفاجأة بالنسبة للكثير أن نتحدث عن هذه القبائل على أنها قبائل "غجرية"، تماما مثلما نتحدث عن غجر إسبانيا والمكسيك الذين تحولوا بمرور الوقت إلى كيانات شعرية، كُتبت بوحي أرواحهم أحلى القصائد عند كبار الشعراء، ولكن بالمقابل أيضا يكون من حق هذا التحقيق أن يكشف عن الوجه الحقيقي لحياتهم المليئة بالمغامرات والمعاناة، نترك للقارئ اكتشافها من خلال هذه الورقة.


استوطن الغجر -السلالة البشرية القادمة منذ قرون من الهند كما تروي أغلب الروايات التاريخية- أرض اليونان ثم شملت رحلتهم التوسّع في باقي أنحاء أوربا، لتنبض شعرية نسبهم في إسبانيا وأرض المكسيك، ويتحول هذا العِـرق البشري إلى أسطورة غامضة في طقوسها وتقاليد عيشها، حيث اشتهر تعريفهم حتى في الأكاديميات بأنهم جنس رحّالة يعيشون في شكل قبائل، يمتهنون التسول والكهانة ولا يعترفون بولاء لأية قيم اجتماعية، وانطلاقا من هذا التعريف الذي لا يربط "الغجر" بأقاليم جغرافية مثلما يربطهم بظروف وتقاليد حياتهم، حاولنا تتبع خطى القبائل الجزائرية التي تعيش على هذا المنوال، حيث دخلنا عوالم خارجة عن الزمن.. دخلنا الخيمة المرتحلة وتحدثنا إلى رجال لا يعرفون الكتابة والقراءة ولا يفهمون معنى وسائل الاتصال، مصدر رزقهم الكهانة والعرافة، ووجه براءتهم التسول وطلب نيل ما بأيدي الناس.

ينبذون المجتمع كما ينبذهم
من محاسن الصّدف أن يتزامن موعد انطلاق تحقيقنا مع توافد قبيلة غجرية من ولاية سعيدة إلى منطقة حمام قرقور بولاية سطيف، وهو ما أتاح لنا فرصة الاقتراب من قبيلة "معامرية" كما وصفها أحد أبنائها، تتشكل من ثلاثة إخوة وأسرهم ووالدتهم، حطّوا الرحال بخيمهم الثلاث إلى جوار ملعب لكرة القدم. كان اللقاء أكثر من صعب، فليس سهلا الاقتراب من أفراد يَعُون أنهم غرباء وأنهم متهمون بكل الصفات القاسية والاحتيالية، لكن لم يكن من بُدّ سوى الجرأة، وبعد جولة تفقدية وتجريبية حاولنا البحث عن رجل تحت الشمس الحارقة، وبعد طول جهد تقدم إلينا "نبيل" وهو شاب لا يتعدى سنه الثلاثين عاما حسب ملامحه، وكانت أولى كلماته "سنغادر قريبا، جئنا من أجل الراحة والاستجمام في الحمام ولن نُقيم أكثر من ثلاثة أيام"، ويضيف "شاهدتك تتحدث بالبورتابل فامتنعت عن الاقتراب منك".
حاولنا مليا استمالة "نبيل" للحديث معه بصراحة، إلا أنه كان شديد الحذر، عارفا بالنقمة المسلّطة على مجتمعه، وقبل أن أنهي سؤالا عن الخيمة التي فاجأتها الأمطار كما فاجأتنا بهطول ربيعي مباغت، بادر بالقول "هي خيمة.. ألم تر مثلها في الصحراء". كانت أجوبته تجانب إلحاحنا، وكان "نبيل" في كل مرة يحاول أن يعود بنا بأمور حياتهم إلى سياق بسيط، مبديا انزعاجه من تعجبنا، وبعد أن أجاب عن سؤال آخر حول أصولهم التي أرجعها إلى ولاية سعيدة وأنهم يرتحلون "من الحدود إلى الحدود"، في إشارة منه إلى الشرق والغرب، قال مذكرا "نحن نعيش على بيع المواشي عند ارتفاع أسعارها وشرائها عند الانخفاض"، ليتركنا من أجل تناول قهوة الصباح "المتأخرة" -الحادية عشر صباحا-، فرجعنا أدراجنا ونحن متأسفون لإجابته الحذرة التي لا يمكن الوثوق بها، خصوصا وأنه عاد وقال "يمكنك أن تعود فنحن ما زلنا هنا"، ليرجع عن كلامه الأول حول مدة بقائهم التي لا تتعدى ثلاثة أيام، حين رد عن إمكانية مقابلتي بعد خمسة عشر يوما، مؤكدا بأنهم "سيمكثون أكثر من شهر".

طلاسم للوقاية من لدغات الثعابين
جولتنا الثانية التي قادتنا إلى العائلة الغجرية التي حطّت رحالها بحمام قرقور كانت بعد أيام من اللقاء الأول، وكان أكثر ما يشغلنا كيفية التواصل مع "نبيل" الذي تمنينا ألا نلتقي به هذه المرة، خصوصا وأننا نعلم بوجود رجال غيره ضمن الوافدين، انطلاقا من حرصنا على استقاء معلومات عن هذا المجتمع المنغلق على نفسه والذي يصعب معه الحصول على أبسط المعلومات، خاصة عندما يتعلّق الأمر بالتعامل مع كبار السن.
استقامت رغبتنا مع "محمد"، الابن ذو الخمسة عشر عاما، الذي التقيناه في يوم سوق أسبوعي، حيث غادر الجميع؛ نساءً ورجالا في سعي معهود، ليُترك له ثلاثة صبية "يطعمهم" و"يسلمهم إلى النوم". اقترب منا "محمد" بكل وداعة وهو يرتدي ملابس لا تختلف عن الملابس المعروفة، وبلغة لا تتميز عن لغتنا كذلك، وقبل أي كلمة بادرنا بالمصافحة، وكان صعبا بعض الشيء أن نفهمه معنى حاجتنا الصحفية لمعرفة نمط حياتهم، إلى أن استجاب بما أفاض على صدورنا سعة.. كانت إجاباته غاية في البراءة والعفوية، تماما كما كانت أحلامه صغيرة، لم تتجاوز سقف الخيمة التي تربّى فيها.
يقول "محمد" بأن مجتمعهم يعتمد على الرحلة والتنقل المستمر وأنهم لا ينصبون خيمهم في أرض إلا بموافقة صاحبها، مستشهدا باستجابتهم للمغادرة متى طلب منهم ذلك. سألنا "محمد" عن وسيلة التنقل التقليدية عندهم وهي العربة ذات الجواد أو الجوادين، فقال إن تربية البغال والجياد عمل مرهق ومكلف، ولهذا السبب أشار إلى أن الكثير من أفراد قبائلهم تخلّوا عنها وتحولوا إلى التنقل بالشاحنات، ويشير محدثنا إلى أن أسرته تتكون من إخوته الثلاثة وأمه ووالده الذي بقي بمدينة سعيدة رفقة أطفال، قال إن الظروف الحالية اضطرتهم لإدخالهم إلى المدرسة، مع أن أكثر الذين يعرفهم لم يتجاوزوا عتبات السنوات الأربع الأولى من المدرسة ليغادروها إلى حياة الترحال والتنقل، ويتأسف "محمد" أسفا شديدا لعدم تمكّنه من دخول المدرسة، متفطنا إلى أن طريقة حياتهم التي يحبها لا تسمح لهم بمزاولة الدراسة، أما عن دوره الاجتماعي في مثل هذه السن، فيقول إنه لا يخرج عن رعاية الصغار في فترة غياب الكبار، في انتظار تحقيق حلمه، وهو التمكّن من اقتياد النسوة إلى الأسواق بصفته "رجلا ناضجا" كما يفعل إخوته، دون أن يحدد طبيعة العمل في السوق، ويتحدث "محمد" عن الطلاسم وكتابة الحرز حين سألناه عن لدغات العقارب التي تدخل الخيم بسهولة، فيقول إن أجدادهم تعودوا التعوذ منها بهذه "الطريقة الطلسمية"، من خلال زيارة ولي صالح في الغرب يقوم ببناء "غشاء الوقاية" من ظلمها ومن ظلم مختلف الحشرات ومنها الثعابين، ويضيف "لو عثرنا الآن على عقرب لحملتها دون أن تؤذيني".

أموات ينتظرون من يشيّعهم وزواج مفروض
لم يكن كلام "محمد" سوى لسان حال مجتمعه، ولما كانت قناعتنا بهذه الفكرة راسخة، لم نشأ تفويت الفرصة لمعرفة طقوس اجتماعية، تعكس بطرق أو بأخرى ذهنيات أفرادها ورؤيتهم للحياة، وحين سألنا "محمد" عن تقاليد الزواج في "المجتمع الغجري" الذي لا يعرف تسميته تلك، قال بأن الصبايا يُخيّـرون لبعضهم في مرحلة متقدمة من خلال اتفاق بين الأبوين، وهنا ينتظر "محمد" اليوم الموعود للفتاة التي اختيرت له والتي هي في الثالثة عشر من عمرها، معترفا بأن صعوبات تحول دون لقائه بها وبأسرتها، حيث هي الآن في ولاية تبسة مع أبويها، واختبرنا رغبة اندماج "محمد" خارج مجتمعه من خلال اقتراح قبوله الزواج بفتاة من المجتمع الجديد المحيط به، فأعجب بالفكرة، لكنه تفطن إلى أن رغبته يشلّها استحالة تأقلم فتاة حضَرية مع طِباع حياة بدوية موغلة في القدم، وهو ما يقابله رفضه بدوره لحياة البنايات الإسمنتية والحديدية، وأخيرا تساءلنا مع "محمد" عن طقوس دفن الأموات عندهم، فكانت إجابته أكثر من غريبة، فهم مسلمون يصومون شهر رمضان، لكن لا أحد يصلي في بيتهم سوى أمه، أما موتاهم فيوجهون إلى أقرب المساجد، يقول "محمد"، "فهؤلاء أعلم بما يصنعون بالميت".

أبواب مُوصدة وحذر كبير
سار الحظ إلى جانبنا مع "محمد"، وكذلك الشأن مع سكان المنطقة التي حلّت بها هذه العائلة، حيث انصب اهتمامنا على المحيط الحضري الذي احتضن الضيوف الغرباء، وبين براءة وعفوية "محمد" وحذر وسخط سكان المنطقة، يبني الواقع جدارا من العزلة الضارب بالقساوة، فسكان المنطقة يُغلقون الأبواب عند غياب الرجال، والمتشددون تدينا يُلزمون أنفسهم بالحذر من "سحر" وتعاويذ قد تعصف وشُـبهة قد تدمر، وصيحات حادثة وقعت خلال العام الماضي تعود وتذكر، "فهؤلاء كانوا بالأمس القريب في بيت فلان الذي دخلوه وأوهموا ربته العجوز بأن زوجها الشيخ ينوي التحلل منها إلى فتاة شابة، وأنه قد خبأ مَكرَه في سحر أودعه في حليها، ولا مخلّص لها منه إلا بوضعه في أكياس ملح يومين كاملين، بعد قراءة تعاويذهم عليه"، وطبعا تكون النتيجة كما ينقل الشهود بعد يومين أن لا وجود للذهب، فتُكتشف المكيدة بعد فوات الأوان.
هذه القصة وقصص أخرى كثيرة، تساهم بطريقة مباشرة في ترسيخ المزيد من التهميش لهذه الفئة، كما تساهم في تشكيل مزيد من الكراهية والحذر من أفرادها، في حين تبقى حالات الاعتداء المسجّلة من فترة إلى أخرى صعبة المتابعة قضائيا بسبب افتقاد هؤلاء لوثائق هوية، وهي مأساة تمتد إلى جوانب أخرى، حيث كثيرا ما يضطرون إلى نقل مرضاهم إلى المستشفيات وربما تنتهي القضية بوفاةٍ، فتكون الطامة أكبر، حيث يصعب تسجيل العملية إداريا وإخراج الميت للدفن، فضلا عن عدم معرفة هؤلاء بطرق التعامل مع الإدارة التي تشتكي بدورها من حالات لا سبيل لتوثيقها.
يظل موضوع "الغجر" أسير الغموض والإبهام، ويتسم بالأساس برفض الاندماج الاجتماعي من ناحية، واستغلال المجتمع من ناحية ثانية. والإشكال الأكبر بالنسبة لهذه الشريحة نلمسه في وضعية التعليم ومصير الناشئة من ناحية، ووضعية المرأة من ناحية أخرى.

---

"y[v hg[.hzv" pdhm lgdzm fhgljhuf ,Hs',vm dgt~ih hgyl,q>