غادرت نسور قرطاج المحفل القاري في نسخته الثامنة والعشرين والتي تستضيفه غينيا الإستوائية والغابون من الدور ربع النهائي بحسرة في البال ولوعة في القلوب بعد الخسارة أمام البلاك ستارز بنتيجة
تونس تهدي النجوم الغانية تذكرة العبور إلى النصف نهائي
غادرت نسور قرطاج المحفل القاري في نسخته الثامنة والعشرين والتي تستضيفه غينيا الإستوائية والغابون من الدور ربع النهائي بحسرة في البال ولوعة في القلوب بعد الخسارة أمام البلاك ستارز بنتيجة (1-2)، حكمت على غياب بني العرب في المربع الأخير لكأس الأمم الأفريقية ولأول مرة منذ سنة 2002.
دخل المنتخب التونسي مباراة تحديد المصير في الدور ربع النهائي أمام نظيره الغاني وسط مزيج من أحاسيس الحذر الشديد والتخوف تدعم وجاهتها سطوة الغانيين على أرشيف المواجهات الثنائية لحساب بطولة الـ"كان" حيث حصد أحفاد عبيدي بيليه 5 انتصارات كاملة وتعادل وحيد كان لحساب التصفيات الأولمبية في مجموع ست مواجهات حدثت بين الفريقين.
هذه التركة التاريخية الثقيلة خلفت حاجزاً نفسياً بدا واضحاً على تحركات لاعبي نسور قرطاج رغم أن وجه البداية لمنتخب البلاك ستارز لم يكن يوحي بانتفاضة مرتقبة أو حتى نوايا معلنة لتسجيل أهداف، فالإنطلاقة كانت حذرة من الطرفين وهو مافسر غياب فرص خطيرة وسانحة للتسجيل عدا بعض التحركات الغانية عن طريق النجمين أسامواه جيان و أندري آيو يقابلها اجتهادات فردية مميزة من النجم الواعد لنسخة الكان الحالية يوسف المساكني الذي أضفى نفحة من الإرتباك الواضح على دفاعات النجوم السوداء.
ورغم التوازن الحاصل بين الفريقين منذ بداية اللقاء، نجح المنتخب الغاني في أخذ الأسبقية مبكراً عبر سلاح ميزه في هذه النسخة ألا وهو الكرات الثابتة وبعد ركلة زاوية نفذها إيمانويل بادو موجهة نحو القائم الأول حيث وجدت أنتوني أنان الذي قام بتهيئة كرة خلفية هادئة على حدود نقطة ضربة الجزاء، ووسط زحمة الرؤوس كان كابتن النجوم جون منساه أسبق من الجميع واستغل بهتة وغفلة واضحة على مستوى المحاصرة الفردية ووقع أول أهداف القمة برأسية متقنة وقوية على شمال الحارس أيمن المثلوثي (10) في نسخة كاربونية طبق الأصل من هدف الصخرة الغانية في المرمى البوتسواني في مباراة الدور الأول.
هذا السيناريو المفاجئ باغت التونسيين وأثر على مستوى الفريق ككل والذي استعصى عليه العودة من جديد في أجواء اللقاء، ومازاد الأمور تعقيداً هو توفق زملاء جيان في فرض نسق لعبهم بعد هدف الإفتتاح، ولكن شيئاً فشيئاً إسترجع النسور البعض من شيم الجوارح وعادوا ليثبتوا ذاتهم ويعلنوا عن وجودهم إثر تحسن واضح في مردود وسط الميدان وخصوصاً على مستوى التنشيط الهجومي الذي سرعان ما أعطى أكله على أرض الميدان.
ومع مطلع الدقيقة 42 وإثر إرتباك واضح في الخط الخلفي الغاني تمكن الجناح زهير الذوادي من إرسال عرضية بالمقاس على رأس صابر خليفة الذي كسب حوار الرجل لرجل مع الجناح صامويل إنكوم وسدد رأسية دقيقة على يمين الحارس أدامباتيا كواراسي معلناً إحراز هدف تعديل الكفة (42) الذي يحمل في طياته روح الإنصاف الكروي التي كرست بدورها تعادلا جاء عادلاً بين المنتخبين علة كافة الأصعدة.
أفضلية قرطاجية عقيمة صاحب بداية الشوط الثاني خبر غير سار للمنتخب الغاني الذي خسر جهود الكابتن جون منساه إثر أوجاع عاودته في ساقه وهو مافرض على المدرب غوران ستيفانوفينش إجراء تغيير إضطراري بدخول إسحاق فورساه مكان منساه، هذا التغيير في خارطة الطريق الدفاعية للبلاك ستارز أفرز تفكك وارتباك وحالة من فقدان الإنسجام باتت واضحة للعيان سيما بعد تواتر الحملات الهجومية القرطاجية على المرمى الغاني الذي بدأ يتحسس خطورة الموقف مع كرة أولى من تسديدة ليوسف المساكني صاحبها الكثير من الحظ لتصطدم أولاً في المدافع الغيني ومن ثم تقارب أخشاب المرمى دون نوايا زيارته لتبتعد الكرة بعيداً.
بعد تغير موازين السيطرة في الشوط الثاني إلى تونسية نسبياً كان لابد من ردة فعل غانية الهوية تعلن عن وجود أحفاد بيليه في اللقاء وبالفعل حيث لم يتأخر الجواب الذي جاء من بيليه الإبن نجم مارسيليا الفرنسي "آيو" الذي نفذ ركلة زاوية مباشرة نحو المرمى ولكن المثلوثي تميز في إحالة الكرة إلى الركنية بصعوبة بالغة (72).
ولم يتوقف الهيجان الغيني المفاجئ عند هذا الحد حيث أعقبت فرصة آيو المباغتة فرصة موالية أشد خطورة وجد بعدها أسامواه جيان نفسه وجها لوجه أمام الحارس المثلوثي من تمريرة متقنة لزميله كوادو أسامواه نجم أودينيزي ولكن الهداف الغاني أخفق في زيارة الشباك التونسية بعد استبسال حارس النسور في تحويل الكرة إلى ركنية (75).
من جهتهم استعاد أحفاد حنبعل الأفضلية من جديد في أواخر المباراة وترجموا ذلك عبر فرصة من تسديدة يسارية صاروخية كادت تغالط الحارس كواراسي الذي استنجد بأفضل مافي جعبته ليتلافى هدفاً ثانياً كان بإمكانه أن يحكم على النجوم السوداء بالأفول مبكراً من الكان. لغة التوازن التي سيطرت على حوار القمة التونسية الغانية فرضت على المنتخبين المرور إلى بوابة التمديد بعد أن استعصى حسم بطاقة الضلع الأخير للمربع الذهبي بعد ساعة ونصف من اللعب.
غلطة الشاطر بألف حتماً كان لهذه المقولة الصدى الأكبر على مجريات 30 دقيقة استغرقتها الحصتان الإضافيتان اللتان حكمتا على النسور بمغادرة النسخة الثامنة والعشرين للكان بحسرة كبيرة وإحساس في مذاق العلقم، سيما بتلك الطريقة المخجلة التي أضاع فيها الحارس المثلوثي كرة غانية ميتة محبطة أحيا فيها الأخير كل الأمل وأضاع فيها حلم تونس في الإصطفاف جنباً إلى جنب مع عظماء القارة بعد أن وقعت الكرة العائدة من بين قفازيه أمام النجم أندري "آيو" الذي لم يتهاون في تبديد الطموح التونسي بتوقيعه الهدف الثاني وسط غفلة من الجميع في خطأ كلف أحد أبرز نجوم المنتخب التونسي محو كل إنجازاته في نسخة "كان" غينيا الإستوائية والغابون.
ماتبقى من عمر الـ120 دقيقة كان وبالأ على ممثل العرب الذي لاح جلياً أنه فقد كافة الضوابط التكتيكية والذهنية إذ لم يعد مركزاً في أجواء اللقاء والبحث عن هدف التدارك من جديد لأن وقع صدمة الهدف الثاني للبلاك ستارز كان قوياً على زملاء القائد كريم حقي، بالإضافة إلى السقوط في فخ اللعب الخشن على خلفية فقدان الأعصاب وهو ما كلف نسور قرطاج تكبد صفعة قوية بعد إقصاء مدافعه أيمن عبد النور من قبل الحكم الكاميروني أليوم نيانغ (109).
سيناريو عقد من مهمة النسور في الرجوع إلى أجواء المواجهة، رغم بعض الفرص المتاحة من أقدام الموهوب وأحد إكتشافات هذه البطولة يوسف المساكني وأسامة الدراجي الذي عزز صفوف تونس عوضاً عن زهير الذوادي منذ الدقيقة 105، ولكن في النهاية لم تفلح لا محاولات المساكني ولا الدراجي في تلافي الانسحاب من الدور ربع النهائي في سابع مناسبة تصل فيها تونس إليه، وبالتالي تكريس العقدة الغانية التي توقفت حصيلتها عند ست هزائم تونسية مقابل تعادل وحيد.
وفي الخلاصة يمكننا القول بأن القمة أوفت بوعودها وإن لم يكن المستوى الفني عالياً جداً لكن شهدنا مباراة حافلة بمعاني الندية والتشويق نجحت فيها نجوم غانا السوداء في الخروج بمبتغاها والسير قدماً لتحقيق حلمهم بالصعود إلى البوديوم الختامي ورفع اللقب بعد 30 عاماً من الصيام، وقبل ذلك يجب على الغانيين تخطي عقبة منتخب زامبيا الملقب بالـ"شيبولوبولو" المتطور في المربع الذهبي قبل التفكير في حسم الصدام الأكبر المرتقب مع أفيال الكوت ديفوار المرشح الأبرز لنيل اللقب.
عقدة وجدت لها صدى بإمكاننا القول أن العقدة الغانية قد كان لها صدى واضحاً في قمة ليبروفيل التي جمعت المنتخبين التونسي والغاني حيث فاز الغانيون في 6 مناسبات كاملة احتساباً لمباراة أمس وللتذكير بأبرزها نذكر نهائي عام 1965 بتونس والذي انتهى على نتيجة (3-2) بعد انتهاء الوقت الأصلي (2-2)، ونصف نهائي 1978 بغانا (0-1).
بالإضافة إلى ثلاثة انتصارات غانية أخرى في ميزان المواجهات المباشرة كانت جميعها لحساب الدور الأول وهي على التوالي سنوات 1982 بنتيجة (0-1)، و 1996 (2-1) و 1998 (2-0). في حين كانت لغة التعادل حاضرة في الرسميات في مناسبة واحدة ضمن أول نسخة للكان سنة 1963 وانتهت إيجاباً بنتيجة (1-1) في العاصمة الغانية أكرا بالذات.
قمة الأفراح و الأتراح هكذا كانت قمة سهرة الأحد على عشب فرانسفيل مراوحة بين الأفراح والأتراح فبين فرحة التأهل للغانيين وحسرة الإنسحاب لنظرائهم التونسيين توجد مظاهر أخرى للتناقض في الكيان الواحد، فمدرب المنتخب التونسي سامي الطرابلسي احتفل بعيد ميلاده يوم أمس ولكن لاعبيه لم يجازوه بالطريقة الأمثل، في حين توفيت والدة المدافع الغاني أنتوني أنان يومين فقط قبل مواجهة نسور قرطاج ولكن زملاءه أهدوا لروح والدته تأهلاً إلى مربع الكبار قد يخفف وطأة المأساة في قلبه، ويلف كل هذه الأحاسيس المتداخلة شعور آخر مشبع بالأسى والمرارة على أرواح 73 شخصاً ذهبوا ضحية لأحداث بورسعيد المؤسفة.
لا يمكنكم مشاهدة باقي المشاركات لأنك زائر ..
إذا كنت مشترك مسبقاً معنا .. فقم بتسجيل الدخول بعضويتك المُسجل بها
للمتابعة و إذا لم تكن كذلك فيمكنك تسجيل عضوية جديدة
مجاناً (
من هنا )