عاد التوهج مجددا للقنوات الفضائية الاخبارية وبصورة دموية، اعطت قناتا العربية والجزيرة الاخباريتان خصوصا مثالا لتقبل المشاهد لمتابعة صور الموتى والمصابين وكأن الامر لا يتعدى تغطية عادية لمباراة كرة قدم!!
إنها "صور" العام الذي نستعد لتوديعه،بعد ان كانت لقطات رمية الحذاء الابرز اعلاميا، انها لقطات محزنة ومرعبة، انها الثورة الاعلامية الحديثة التي تسابق لتكون الكاميرا وبثها المباشر اكثر ايلاما للنفس البشرية، لقطات مخيفة اعادتني لطفولتي والذاكرة التلفزيونية التي لايمكن ان تفارق ذاكرتي مهما تقدم بي الزمن، مجزرة (غزة) اعادت لي رعب مجزرة (صبرا وشاتيلا) والتي لن انسى مشاهدها التلفزيونية رغم صغر سني آنذاك، اكثر من 150قتيلا عرضت صورهم وببث مباشر وكأنك تشاهد للاسف وبمرارة منظر (الاضاحي) يوم العيد!!
"عاجل" كان العنوان ولكن دون تحذير او تنبيه بالبث المخيف والمرعب لجثث المقتولين والمصابين، هل اصبحت الكاميرا الحساسة اكثر تبلدا وخلوا من المشاعر، ام نحن اصبحنا لا نفرق بين فيلم سينمائي امريكي وبين الفتك بالبشر كما حدث لاخواننا الشهداء في غزة، في قناة الجزيرة وقبل ظهور المذيعة على الهواء ودون علمها كانت على الهواء وامام المشاهدين، كانت الادخنة والقتلى يحيطان بالمكان حولها، كانت تبتسم، وترفض وبعصبية وضع "الخوذة" على رأسها، لكي لاتتأثر الخصلات الشقراء من شعرها، تغطية تفاعل جماهير المدرجات مع مباراة كرة قدم اكثر جدية من التغطية من تلك المذيعة المتلبدة بأحاسيسها لجريمة غزة.
اما على قناة العربية وانت في قمة الذهول والخوف والحزن والوجل والتحسر، يصرح احد المسؤولين الفلسطينيين وببرود وعلى الهواء مباشرة ان ما حدث كان متوقعا وكان يتحدث هذا المسؤول بدرجة برود تجاوزت نزولا درجة الصفر، وشتان ما بين ردة الفعل الحماسية والمجلجلة لما حدث من دمار دموي انساني لاخواننا في غزة وبين التفاعل مع رمي الرئيس الامريكي بوش بالجزمة اكرمكم الله، فقد كانت البرامج متاحة للمتحمسين، اما ما حدث في غزة فلم يخرج وببرود عن اللغة الاعلامية العربية الشهيرة "الشجب والاستنكار"!!
في فترة سابقة كان عنوان احدى مقالاتي (وحشية الصورة)، اما بعد تغطيات احداث غزة، فاسمحوا لي ان اقول انها (وحشية الانسانية) في التعامل مع حرمة الموت والقتلى، مهما وصلت الحرية المتاحة للاعلام الا ان هناك حدوداً لهذه الحرية، فالتنبيه قبل بث المشاهد التي تابعتها لوحشية الصور والاحداث المطلوبة امر هام لمراعاة حرمة الموتى ومشاعر المشاهدين، ما تم نقله امر فظيع بكل ما تعنيه الكلمة وتتحدث عنه الصورة، ماذا سنفعل كمشاهدين بعد هذه المشاهد سوى الشجب والاستنكار، وتزداد لحظات الالم والحسرة ونحن نتابع تصريحات باراك وزير الدفاع الاسرائيلي وهو يتحدث وبفخر عن هذه المجزرة الدموية وتنقل تصريحاته قنواتنا الاخبارية العربية!!
هل سيصبح الامر عادياً مستقبلا ونحن نشاهد اكوام الجثث الممزقة وعلى الهواء، و ننتقل بعد هذه المشاهد وبالريموت لقناة عربية اخرى تبث اعلانات متكررة عن حفلة نانسي عجرم ببيروت بمناسبة الاحتفال برأس السنة الميلادية الجديدة، وكأن الامر لايعنينا، هل سنكتفي بالكلام والمقالات للشجب فقط، ام نسابق الزمن لنحتفل بالعام القادم على انغام (شخبط شخابيط) فهل انت عزيزي القارئ مع طريقة بث مجزرة غزة دون تحذير او تنبيه، ام ان الامر عادي جدا..!!
لا يمكنكم مشاهدة باقي المشاركات لأنك زائر ..
إذا كنت مشترك مسبقاً معنا .. فقم بتسجيل الدخول بعضويتك المُسجل بها
للمتابعة و إذا لم تكن كذلك فيمكنك تسجيل عضوية جديدة
مجاناً (
من هنا )