مع تداول الأخبار الأولى حول قرب زحف أسراب الجراد على مناطق الجنوب، يستعدّ بعض هواة صيد وأكل هذه الحشرة العابرة للحدود، بلا جوازات أو إذن سفر، لنصب شباكهم بحثا عن
صيد الجراد وأكله..... سكان الجنوب يتشوّقون لوصول أسرابه وطوارئ لدى الفلاحين
مع تداول الأخبار الأولى حول قرب زحف أسراب الجراد على مناطق الجنوب، يستعدّ بعض هواة صيد وأكل هذه الحشرة العابرة للحدود، بلا جوازات أو إذن سفر، لنصب شباكهم بحثا عن طرائد توفر لهم عائدات يسدّون بها ثمن الدخول الاجتماعي ومصاريف محفظة الدراسة. ورغم أنه يمثل مصدر قلق للفلاحين، فإن بعض الأشخاص ينتظرون قدوم الجراد على أحرّ من الجمر.
يخلّف الجراد دمارا زراعيا رهيبا، لا يمكن تصوّره إذا لم يوقف، إذ يمكن لسرب جراد يقلّ وزنه عن 100 كلغ أن يلتهم من ضعفين إلى ثلاثة أضعاف وزنه يوميا من الأعشاب والمحاصيل الزراعية.
وتعدّ حشرة الجراد من أخطر الآفات التي تهدّد المحاصيل الفلاحية في أي دولة، ويحطّ سرب منها فوق شجرة ضخمة وبعد أقل من ساعة، يتركها مجرد هيكل من الأخشاب، ثم يتحوّل لالتهام الخشب إذا لم يجد ما يأكله من أعشاب خضراء.
ويفسد الجراد حتى الآبار المائية، حيث يقول أشخاص مسنون إن سكان القرى كانت تغطيها إذا اقتربت أسراب الجراد.
ويقول البدو إن الجراد يظهر بعد أقل من شهر من هطول المطر في بعض المناطق التي تقوم فيها إناث الجراد بوضع بيضها تحت الرمال، ويمكن للبيض أن يصمد 10 سنين، ثم عند نزول المطر، يفقس البيض قبل أن يغادر الصغار المكان، وتنطلق دورة الجراد التي تأتي على كل شيء. لكن المجتمعات القديمة قرّرت مكافحة الجراد بصيده وأكله وليس بالمبيدات، وإلى غاية اليوم، لازال مئات الآلاف من الجزائريين، وسكان الجنوب تحديدا، مغرمين بطبق الجراد المطبوخ في الماء.
طعم الجراد لا يختلف عن الجمبري!
وما لا يمكن تصديقه أن بعضا من الذين تذوّقوا طبق الجراد يزعمون أن طعمه لذيذ، ويشبه طعم بعض أنواع السمك، وبأنه لا يختلف كثيرا عن الجمبري. ويقول أحدهم ويدعى حسان: ''في البداية، كنت متخوّفا من تناول الجراد، لكن وبصراحة، أعجبني طعمه للغاية، والآن فقط أدركت لماذا كان الجزائريون في السابق يأكلونه، وأتمنى تناول وجبة جراد جديدة بعد مرور أكثر من 9 سنوات على أول مرة تناولته فيها''.
ويتذكر كبار السن في مناطق الجنوب والسهوب مواسم الجراد في السنوات والعقود الماضية، عندما كانت بعض الأسر لا تضع فوق مائدة طعامها غير أطباق الجراد. أما اليوم، فإن عادة أكل الجراد تكاد تختفي. وهنا، يقول السيد قادة نوني، مربي مواشي من بادية ولاية الأغواط: ''كنا في السابق، قبل أكثر من 50 سنة، نصطاد الجراد ونطبخه في الماء والملح ونأكله، وكان طعم الجراد جيّدا لا يختلف كثيرا عن طعم السمك، أما اليوم، فإن هذه العادة اختفت تقريبا لعدة أسباب، أهمها أن موجات الجراد لم تعد كما في الماضي''.
يأكل الغلّة ونحن نأكله
يقول السيد حرز الله من منطقة بريزينة: ''غريب أمر شباب اليوم، يتحرّجون من أكل الجراد لكنهم يستوردون الكيف من الخارج ويدخنونه، دون أن يجدوا في ذلك أي حرج''.
لقد أكل الجزائريون الجراد في الماضي، حسب السيد حرز الله، لأنه كان يأتي على كل الموارد الزراعية فيلتهمها، ولا يترك لهم ولا لأنعامهم أي شيء، فيبدأ الناس في صيده وأكله كوسيلة ناجعة لمكافحته، دون مبيدات ولا حملات مكافحة وربما لهذا، حسب المتحدث، أباح الشرع الإسلامي أكل الجراد.
ويتذكر السيد حرز الله جيّدا أنه في عام 1959 وكان عمره حينها 22 سنة، شهدت الجزائر إحدى أكثـر غزوات الجراد شراسة، حتى أن آلاف المواشي كانت تموت كل شهر في مناطق الأغواط والبيض، بسبب انعدام العشب الذي أتى عليه الجراد. لكن الوجبة الرئيسية لكل الأسر، خاصة في البادية، في ذلك الوقت كانت الجراد الذي يطهى في الماء والملح فقط.
ويضيف المتحدث: ''كنا نخرج في مجموعة من 10 شباب، ونعود بحمولة 12 كيسا كبيرا من الجراد، بعد قضاء الليل في صيد هذه الحشرة''. ومع الوقت، يضيف المتحدث، وبعد أسبوعين أو ثلاثة من الحرب بيننا وبين هذه الآفة، تسترجع الأرض عافيتها وتعود الأعشاب للنمو، بل إنه من المتعارف عليه أن عام غزو الجراد يكون عاما جيّدا للفلاحة، رغم الخسائر التي يحدثها.
عندما حجبت سحابة جراد الشمس
يقول السيد قادة: ''وكانت كل قرية أو قبيلة تطلق من يبحث عن سحابات الجراد، فيضعون ما في أيديهم ويركضون حاملين كل ما تقع عليه أيديهم من أكياس فارغة وأوعية وكل ما يستطيعون ملأه بمحصول الجراد الذي يعتبر مروره موسماً لا يتكرّر ولا يمكن تعويضه، حتى إن بعض البدو يخلعون عباءاتهم لتحويلها إلى أكياس تُملأ بالجراد''.
ويضيف المتحدث أن صيد الجراد يتم في الليل تحت جنح الظلام، أو عندما تنخفض درجة الحرارة، ويقوم الرجال والنساء والأطفال بجمع الجراد تحت ضوء القمر، وكنا نشعل النار لإضاءة المكان أثناء الصيد، وأفضل الأوقات لصيد هذه الحشرة هي بين الساعة الثانية ليلا والخامسة صباحا، حيث تصاب بحالة من الشلل، بسبب برودة الجو الشديدة. ويطبخ الجراد بسهولة شديدة، بإزالة أجنحته ووضعه في قدر كبير من الماء مع الملح، ويغلى ثم يقدم كوجبة شهية.
ويوصف الجراد بأنه أكثر المقوّيات فاعلية، حسب مختصين في العلاج بالأعشاب، كما أنه يوصف لعلاج الروماتيزم وآلام الظهر وتأخر نمو الأطفال. كما أن الجراد يحفظ مجففا كي يؤكل بعد أكثر من سنة من صيده، كما يقول السيد قادة. وكانت العجائز، قبل أكثر من 50 سنة، تطحنه وتحفظه، لاستعماله في علاج الكثير من الأمراض.
أطباء يحذّرون من تناول الجراد
وحذّر الأطباء في عام 2003 من تناول الجراد، بسبب احتمال تعرّضه للرش بالمبيدات الحشرية أو أدوية أخرى، وحصول مضاعفات خطيرة. ويقول السيد جهيد نور الدين، طبيب مختص في الأمراض الداخلية: لا أنصح الأشخاص بأكل الجراد، رغم عدم اعتراضي على تناوله إذا ثبت أنه خالي من المبيدات، لكن الأمر لا يسلم أبدا من احتمال تعرّض عدد من هذه الحشرات لكمية، ولو قليلة جدا، من أي مبيد، سواء كان موجودا على أوراق الأشجار التي تعالج أو تم رشها مباشرة به، وهو ما قد يؤدي إلى تعرّض الجسم لخطر التسمّم.
لا يمكنكم مشاهدة باقي المشاركات لأنك زائر ..
إذا كنت مشترك مسبقاً معنا .. فقم بتسجيل الدخول بعضويتك المُسجل بها
للمتابعة و إذا لم تكن كذلك فيمكنك تسجيل عضوية جديدة
مجاناً (
من هنا )