وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قريب من عباده، حبيب إلى طلابه، قال وقوله الحق { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ} (البقرة: 186).
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، لم يدع باب خير إلا دل الخلق عليه، ولا باب شر إلا حذر الناس منه، فنسأل الله أن يجزيه عنا وعن البشرية خير الجزاء.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين.
أما بعد.. أيها الأخوة الأحباب المسلمون..
فها هو الضيف الكريم، شهر رمضان، يهل علينا بهلال الخير والرشد والبركة، فتغتبط به القلوب، وتفرح به النفوس؛ لأنه من النعم التي يحس بها أصحاب القلوب الحية، يقول الحبيب صلي الله عليه وسلم: أتاكم شهركم هذا، بمحلوف رسول الله صلي الله عليه وسلم ما دخل على المسلمين شهر خير لهم منه، وما دخل على المنافقين شهر شر لهم منه. وذلك أن المؤمن يعدّ له من القوة والنفقة في العبادة، ويعدّ المنافق اتباع غفلات المسلمين واتباع عوراتهم، بمحلوف رسول الله صلي الله عليه وسلم، إن الله ليكتب أجره ونوافله من قبل أن يوجبه، أو من قبل أن يدخله، وإن الله ليكتب إصره وشقاءه من قبل أن يدخله، فهو غنيمة يغتنمها المؤمن، وهو نقمة للفاجر، وفي رواية "يغتم به الفاجر".
هذا الكلام الذي خرج من أطهر الأفواه وأصدق الألسنة، لسان رسول الله صلي الله عليه وسلم، يبين قيمة الخير الذي بين أيدينا، فنحن ندخل على خير شهر يدخل إليه المؤمن، وهو في الوقت الذي يراه المؤمن نعمة وخيرا عظيما، يراه الفاجر والمنافق قيدا ثقيلا، وهما وغما يملك قلبه، فهو لا يريد أن يلقاه وهو يستعجل الخروج منه.
أما المؤمن، فلا، لماذا؟.. يقول لنا النبي صلي الله عليه وسلم؛ لأن المؤمن يستعد له، فيعد نفسه، ويهيئ روحه لاغتنام الحسنات، وأما الكافر أو الفاجر أو المنافق، فيريد أن يستغله في اتباع عورات الناس وتضييع أجورهم، وصدق الحبيب صلي الله عليه وسلم.
في هذا الشهر يشتد الصراع بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.
أولياء الرحمن ينادون الشاردين، ويدعون المارقين، ويقولون: أيها الناس، فأين تذهبون، هلموا إلى رب كريم يقبل القليل من العمل، ويضفي عليه الكثير.
أولياء الرحمن، يمارسون أنشطة تساعد المؤمن على اكتناز الحسنات، والاستزادة من الخيرات.
أولياء الرحمن، يسعون إلى تنمية الأرواح والقلوب، والأخلاق.
أما أولياء الشيطان، فقد أعدوا العدة من خلال البرامج التافهة والملهيات العبثية؛ لينشغل الناس عن الخير، أو إذا صاموا يضيعون لهم حسناتهم بالليل، ولهذا، فإني أسأل نفسي وأتوجه بالسؤال لإخواني وأخواتي المسلمين: أين أنا في رمضان؟، أين أنت في رمضان؟ أين نحن في رمضان؟.. أين أنا وأنت من التوبة؟، فهذا شهر يقبل الله فيه على خلقه، ويقبل التوبة ممن تاب، بل يقول لنا الحبيب المحبوب صلي الله عليه وسلم: "رغم أنف رجل أدركه رمضان، ثم انسلخ ولم يغفر له"، أي يا حسرته ويا ويله ويا شقاءه من جاءه رمضان ومرت أيامه ولياليه فخرج ولم يغفر ذنبه؛ إن لم يغفر له في رمضان، فمتى؟!
الله ينادي على العصاة والمذنبين: فأين تذهبون؟.. ألكم إله غيري، ألكم محب غيري، أأنعم عليكم أحد بمثل نعمي، أوجدتم رحيما كرحمتي، ألم أعطكم الأسماع والأبصار والأفئدة والجوارح، ألم أمتعكم بالنعم، ألم أعطيكم العافية، ومع ذلك ضيعتم وقصرتم، وها أنذا أتفضل عليكم، إن عدت إلي فأنا حبيبك وأنا طبيبك، وأنا قد سميت نفسي الغفار لأجلك، لأني أغفر الذنوب والأوزار، الله يناديك والشيطان يناديك، ففي أي الفريقين ستضع نفسك في هذا الشهر؟