التعاون الاقتصادي الاسلامي يثمر نتائج مبشرة غسان عبد الهادي ابراهيم * تعتبر الشريعة الاسلامية منهجاً لتسيير الحياة الاقتصادية والاجتماعية لدي المجتمعات المسلمة بالاضافة الي كونها منهجا اخلاقيا قيميا ذا
تعتبر الشريعة الاسلامية منهجاً لتسيير الحياة الاقتصادية والاجتماعية لدي المجتمعات المسلمة بالاضافة الي كونها منهجا اخلاقيا قيميا ذا معاني تشمل مختلف اوجه الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ومن هذا المبدأ التزم المسلمون بشريعتهم في معاملاتهم التجارية والاقتصادية علي امل تحقيق الرفاهية والازدهار. ولكن هل طبقت الدول الاسلامية مفاهيم ومبادئ الاقتصاد الاسلامي لتحقق نوعا من التكامل الاسلامي علي الصعيدبن الاجتماعي والاقتصادي. ولكن ما اهمية تطبيق هذه المبادئ علي ارض الواقع وما هي النتائج المرتقبة؟
هذا السؤال واحد من تساؤلات كثيرة طرحت حول الاقتصاد الاسلامي ليس فقط من الدول الاسلامية بل من العديد من الدول الغربية وبعض المنظمات الدولية التي نظمت العديد من المحاضرات والندوات في الدول الاسلامية والغربية.
ولمناقشة هذا الموضوع والمحاولة لتقديم بعض الاجابات عن الكثير من الاسئلة المطروحة، نستعرض بعض الحقائق والتقارير والدراسات التي تناولت مواضيع التبادل والتكامل التجاري وامكانية تكوين كتلة تجارية للدول الاسلامية، وبالتالي نتائج ذلك علي قضايا التنمية وبرامج الخصخصة في ظل المتغيرات الدولية وسيطرة العولمة علي المنظومة الدولية اقتصادياً وسياسياً.
* اهمية التبادل التجاري الاسلامي
تتبلور اهمية تعزيز التبادل التجاري بين دول منظمة المؤتمر الاسلامي في تحقيق معدلات نمو اقتصادي افضل والقضاء علي الفقر في الدول الاعضاء.
ويقول احمد محمد علي رئيس بنك التنمية الاسلامي "ان المبادرات الداعية الي تعزيز العلاقات التجارية بين الدول الاعضاء ضرورية لتعزيز النمو الاقتصادي الذي يشكل اهمية لحياة الشعوب".
ويشير الي "ان حجم التبادل التجاري لدول المؤتمر مع العالم بلغ عام 2003 حوالي 1.2 تريليون دولار او ما نسبته ثمانية في المئة بالنسبة للتجارة العالمية في حين بلغت نسبة التبادل التجاري بين الدول الاعضاء 13 في المئة بعد ان كان في عام 2000 عشرة في المئة".
ويضيف "ان نسبة التبادل التجاري بين الدول الاعضاء قليلة جدا ولاتسمح بتحقيق علاقات اقتصادية اقوي بين الدول الاعضاء".
وذكر التقرير السنوي لبنك التنمية الاسلامي"ان الجهود لتعزيز التجارة الداخلية بين دول منظمة المؤتمر الاسلامي بدات تعطي ثمارها حيث اسفرت المفاوضات التجارية بين الدول 14 الاعضاء في المنظمة عن وضع مسودة بروتوكول حول التعرفة المناسبة لتحقيق النظام التجاري الافضل للمنظمة في شهر ابريل الماضي والذي يتوقع ان يصدق عليه خلال الاجتماع الوزاري للجنة الاقتصادية والتجارية الدائمة للمنظمة »كومسيك«".
وعلي الصعيد الاقليمي ذكر التقرير "ان دول مجلس التعاون الخليجي هي الوحيدة التي نجحت في تحقيق وحدة جمركية اما المجموعة الاقتصادية لدول غربي افريقيا فقد حققت اعلي مستوي من التبادل التجاري اذ بلغ 12.6 في المئة".
واكد التقرير علي "اهمية عمل الدول الاعضاء في المنظمة لايجاد مبادرات جديدة تساعد علي رفع معدلات النمو الاقتصادي والقضاء علي الفقر ولا سيما في الدول الافقر بين الاعضاء" مضيفا "ان ماليزيا ومنذ تسلمها رئاسة المنظمة قامت بخطوات جادة لمساعدة هذه الدول".
* كتلة تجارية للدول الاسلامية
وقد دعت مجموعة من خبراء منظمة المؤتمر الاسلامي الدول الاسلامية الي تشكيل كتلة تجارية تتمتع بمعاملة تفضيلية فيما بين اعضائها للمساعدة في سد فجوة متزايدة بين الدول الاسلامية الغنية بالنفط وتلك الفقيرة.
ويقول عبد الله أحمد بدوي رئيس وزراء ماليزيا "ان اقامة كتلة تجارية اسلامية هي خطوة أولي مهمة نحو الهدف الاكبر وهو تحقيق تكامل اقتصادي أعظم بين دول منظمة المؤتمر الاسلامي".
ويضيف عبد الله قائلا ان من أكبر التحديات التي تواجه منظمة المؤتمر الاسلامي التفاوتات الاقتصادية الشاسعة بين اعضائها وعددهم 75 عضوا. وتضم منظمة المؤتمر الاسلامي دولاً غنية مثل السعودية والعراق والامارات العربية المتحدة والكويت التي تملك معا 007 مليار برميل من احتياطيات النفط المؤكدة ودولاً فقيرة مثل افغانستان وسيراليون وبنجلادش. ويذكر عبد الله ان دول منظمة المؤتمر الاسلامي تتفاوض لاقامة نظام للتجارة التفضيلية لتعزيز التجارة مع بعضها البعض، ومن المتوقع انشاء بنهاية كتلة تجارية للدول الاسلامية عام 5002.
وحث خبراء اقتصاديون منظمة المؤتمر الاسلامي علي استخدام الاتفاق التجاري كأساس لمنطقة تجارة حرة. وقال رحموني حسين نائب المدير العام للمركز الاسلامي للتنمية والتجارة ومقره المغرب "ان اقامة منطقة تجارة حرة بين الدول الاعضاء علي المدي القصير أمر ملح." وذكر أنه يمكن اقامة مثل هذه المنطقة خلال عشر سنوات.
واضاف قائلا "يجب ان تركز الجهود علي اقامة مناخ مواتي لتحرير التجارة بين دول منظمة المؤتمر الاسلامي يكون متسقا مع نظام الاقتصاد والتجارة الدولي الجديد".
وقال مسؤولون في البنك الاسلامي انه سيتم اقامة شركة لتمويل التجارة الاسلامية الدولية برأسمال مدفوع مبدئي يبلغ مليار دولار وذلك بهدف تحفيز التجارة بين الدول الاعضاء في البنك.
كما تريد ماليزيا من البنك طرح صندوق سندات اسلامية حجمه عشرة مليارات دولار لتمويل مشروعات البنية الاساسية وذلك في محاولة اخري للمساعدة في سد الفجوة بين الدول المسلمة الغنية والفقيرة.
* ثلاث مليارات دولار امريكي لانشاء الجمعية الاسلامية للتجارة والتمويل
اعطي البنك الاسلامي للتنمية الضوء الاخضر لانشاء الجمعية الاسلامية الدولية للشؤون التجارية والتمويل التي ستضطلع بمهمة تطوير التجارة البينية في الدول الاسلامية.
وقال بيان صادر عن رئيس الوزراء الماليزي عبدالله احمد بدوي ان الجمعية التي ستعمل تحت مظلة منظمة المؤتمر الاسلامي خصص لها ثلاث مليارات دولار امريكي كمبلغ تاسيسي الي جانب 500 مليون دولار علي شكل مبالغ تقسم بين الدول الاعضاء بالاكتتاب.
واوضح البيان ان المقر الرئيسي للجمعية الاسلامية سيكون في جدة بالمملكة العربية السعودية بينما سيتم انشاء اول فرع تابع لها في دبي بدولة الامارات العربية المتحدة مشيرا الي امكانية افتتاح فروع اخري "ان دعت الحاجة الي ذلك".
و توقعت دراسة اقتصادية تجارية صادرة عن البنك الاسلامي للتنمية ارتفاع حجم التجارة البينية بين الدول الاعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي بنسبة مابين 20 و 30 في المئة بحلول العام 2020.
وقالت الدراسة ان "كل دولة عضو في المنظمة عليها لابد ان تتحمل مسؤولية اثراء التجارة البينية للوصول الي الاهداف المنشودة".
يذكر ان نسبة التجارة البينية للدول الاعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي تبلغ 12 في المئة مقارنة بنسبة 23 في المئة حجم التجارة مع الدول الاسيوية و 70 في المئة مع الاتحاد الاوروبي.
* قضايا التنمية الاقتصادية الاسلامية
وهناك اهمال واضح من قبل الدول الاسلامية في قضايا التنمية الاقتصادية التي هي عصب الحياة الاقتصادية والاجتماعية. لذا يدعو كثير من خبراء اقتصاد ومجتمع دول منظمة المؤتمر الاسلامي الي زيادة اهتمامهم بقضايا التنمية الاقتصادية والتعاون الاقتصادي فيما بينهم.
وقالت وزيرة التجارة الدولية الماليزية رفيضة عزيز ان الحالة الاقتصادية غير المستقرة في العديد من الدول الاعضاء في منظمة المؤتمر الاسلامي تدعو الي القلق مطالبا الدول الاسلامية الي مواجهة هذه التحديات والاعتماد علي أنفسهم لحلها.
واعتبرت ان منظمة المؤتمر الاسلامي تستطيع ان تكون قوة اقتصادية لها اجندتها الخاصة. وقالت "بكل تأكيد ان مستقبل المنظمة يكون بوجود اجندتها الاقتصادية والتي يجب أن يكون محركها الاساسي مجتمع رجال الاعمال داخل دول منظمة المؤتمر الاسلامي". واوضحت ان الوقت قد حان للقطاع الخاص في دول منظمة المؤتمر الاسلامي ليلعب دورا حيويا لتحريك العجلة الاقتصادية و لاسيما أن حكومات هذه الدول وضعت القواعد الاساسية لدعم التعاونالاقتصادي فيما بينهم.
* انشاء صندوق مشترك بين المصارف الاسلامية
يعتبر انشاء صندوق احتياط مشترك بين المصارف الاسلامية ضرورة هامة لامداد المصارف الاسلامية بالسيولة عند الحاجة واتباع الوسائل الكافية للحد من تذبذب اسعار صرف العملات لتشجيع التبادل التجاري بين الدول الاسلامية.
واكد خبراء في الاقتصاد الإسلامي اهمية توطين استثمار رؤوس الاموال الاسلامية ودعم المزيد من الاصلاحات الاقتصادية والادارية والقانونية والمالية والنقدية اللازمة وتطوير مؤسسات الزكاة والأوقاف لمعالجة مشكلات الفقر والجهل والمرض في دول العالم الاسلامي.
واوصي مؤتمر عقد بجامعة ام القري بمكة المكرمة في بيان صدر في ختام اعماله بضرورة ربط خطط التعليم في الدول الاسلامية بالخطط الوطنية الشاملة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتخصيص حد ادني كاف في الدول الاسلامية للانفاق علي البحوث والتدريب والتطوير ونقل التقنية واقامة وتعزيز المراكز الوطنية في الدول الاسلامية لايجاد التقنية وتطويرها ونقلها وربطها بالقطاعات الانتاجية.
وطالب بسن الانظمة والقوانين في العالم الاسلامي لمحاربة غسل الاموال وتوفير قدر كبير من الشفافية في الانظمة المختلفة وتفعيل وظيفة الحسبة لمحاربة الفساد الاقتصادي وغرس الوازع الديني لدي الافراد في المجتمعات الاسلامية عن طريق التربية والتعليم ووسائل الاعلام والدعوة للقضاء علي ظاهرة الفساد الاقتصادي.
* البنوك الاسلامية تسجل نموا مذهلا
أفاد تقرير »التنافسية« الصادر عن المؤتمر العالمي للعمل المصرفي الاسلامي ان البنوك الاسلامية المنتشرة حول العالم تواصل في الوقت الحاضر علي ارساء قواعد تنمية صناعة الخدمات المالية الاسلامية بأكملها فيما تسجل المؤسسات المالية الاسلامية في دول مجلس التعاون الخليجي نموا مذهلا.
ووفقا للتقرير فأن معظم البنوك الاسلامية تنمو بشكل اسرع من نظرائها من البنوك التقليدية.
وقال التقرير انه بمقارنة العائد علي الاصول لبنوك التجزئة الاسلامية والبنوك التقليدية الرائدة بالاسواق نفسها يستخلص من انه علي الرغم من تمتع البعض منها بربحية عالية فأن اداء البعض الاخر يعد منخفضا بالمقارنة مع نظرائهم التقليديين.
واضاف التقرير انه يوجد هناك العديد من العوامل المؤثرة في الاداء المالي للبنك حيث ان متوسط الثروة ومعدلات المنافسة وتكاليف العمالة لها تأثير كبير علي المستوي العام بارباح القطاع المصرفي بما فيه البنوك الاسلامية بالاضافة الي ذلك فان نموذج الاعمال التجارية للبنوك اوجدت تغييرات ضخمة لعائداتها ويتمثل ذلك في كون البنوك الاسلامية وحالها في ذلك مثل البنوك التقليدية تحقق نتائج افضل عندما تركز علي عملاء التجزئة بشكل اكبر من الاعمال المصرفية المؤسسية.
وواوضح التقرير ان ربحية البنوك الاسلامية تتوقف بدرجة كبيرة علي مدي كفاءتها في ادارة مواردها مشيرا الي انه في الوقت الحالي يلجأ العديد من البنوك الاسلامية باتخاذ اجراءات لخفض التكلفة واقتناص فرص جديدة للحد من التكاليف بهدف تقسيم صافي الارباح.
وبالنسبة لغالبية البنوك الاسلامية يقول التقرير ان ارتفاع نسبة مصروفات التشغيل مقارنة بايرادات التشغيل يشير الي انه لا يزال امامها انتظار الكثير من المتطلبات فيما يتعلق بكفاءة التشغيل.
* الأدوات المالية الاسلامية تنشط البورصات العربية
ويقول باحث اقتصادي مصري أن معظم أسواق المال العربية تعاني من انخفاض حجم التداول في بورصتها نسبة للناتج المحلي الاجمالي باستثناء الكويت التي ترتفع فيها هذه النسبة التي وصلت الي نحو 62.9 بالمئة.
واشار الباحث بوزارة التجارة الخارجية المصرية حسين عبد المطلب الاسرج الي ان النسبة في السوق المصري تصل الي نحو 7.1 بالمئة داعيا الي ضرورة تنشيط سوق الأسهم من خلال تشجيع انشاء صناديق الاستثمار العربية.
ولفت الي أنه في معظم الدول العربية قد تكون الموارد المالية المتاحة للمستثمر العادي قليلة الي الحد الذي لا يمكنه من تشكيل محفظة أوراق مالية تحقق له تخفيض المخاطر داعيا الي الأخذ بالصيغة الاسلامية في الأوراق المالية ما من شأنه جذب عدد غير قليل من المستثمرين في البورصة وبالتالي زيادة كفاءتها.
ودعا الي وجوب ابتكار وتطوير الأدوات المالية حتي تتمكن البورصات العربية من تنمية المدخرات وتعبئتها وذلك من خلال توافر أوراق مالية نشطة وجاذبة لمختلف المستثمرين بالسوق.
واشار الأسرج الي أن زيادة عدد المستثمرين بالسوق يؤدي الي زيادة كفاءته مؤكدا علي أن الأخذ بصيغ التمويل الاسلامية يعمل علي الربط المباشر بين الادخار والاستثمار ومن ثم تسهم بصورة أكثر فاعلية في توجيه المدخرات نحو المشروعات موضحا ان هذا يساعد علي الاسراع في التنمية وأيضا يتيح تنوعا في الاوراق المالية المطروحة في السوق حتي ينتقي المدخرون ما يلائمهم منها.
وذكر أن مثل هذه الأوراق تؤدي الي جذب أعداد ليست بقليلة من المستثمرين لاعتقادهم أنها تشبع لديهم حاجة خاصة مشيرا الي أنه علي الرغم من ان البنوك الاسلامية قد تتيح لعملائها عائدا قد يقل عن العائد في البنوك الأخري الا أنها تجد من ينجذب اليها من المستثمرين الذين يعتقدون في حرمة التعامل مع البنوك التجارية باعتباره نوعا من الربا.
واضاف ان بناء محفظة من الأوراق المالية تساعد علي توافر متطلبات التنوع بما يتلاءم مع المستثمر الصغير والكبير في اي قطر وتمكنه من شراء حصة أو أكثر في حدود ما تسمح به موارده المالية وكذلك الامر بالنسبة للشركات وأيضا الحكومات المشاركة في مثل هذه الصناديق. وأكد الأسرج أهمية العمل علي تنشيط سوق السندات في البورصات العربية حيث أنه لا يزال محدودا فيما انه يشكل نحو 70 بالمئة من حجم التعامل في اغلب أسواق المال في العالم وذلك لأنها تتميز بالعائد المعروف مسبقا بالاضافة الي ضآلة المخاطر لأنها تحتفظ بقيمتها ثابتة ومخاطرها قليلة ومحسوبة.