{ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ} التوبة26 والسكينة ما هى؟ وأين تنزل؟ السكينة خطاب تأمين من رب العالمين إذا وصل لقلب العبد يطمئن أن عناية الله معه، ولا
السكينة خطاب تأمين من رب العالمين إذا وصل لقلب العبد يطمئن أن عناية الله معه، ولا يخشى سوى الله أحدا ً، فى قوة {نحن معك}: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا} غافر51
فأبشروا لأن الله أدخلنا فى هذه المعية ، أين تنزل السكينة: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ} الفتح4
خطاب ذاتى تأييد من الله وإعزاز من الله وضمان من الله ليعلم العبد علم اليقين أن الله لن يتخلى عنه بعنايته ونصرته طرفة عين ولا أقل ، ولذلك كان حَبيبنا وقرة عيننا صلى الله عليه وسلم يقول: {أنا عبد الله ورسوله ولن يُضيعنى الله أبداً}
لن يضيعه الله لأنه أخذ خطاب ضمان ممن يقول للشى كن فيكون ، بل إنه صلى الله عليه وسلم أعطاه الله إصدار خطابات الضمان لسواه ، فقد قال للإمام علىّ: توَسد فى مكانى هذا ، أى نَم فى مكانى ، قال: يا رسول الله إنهم إذا نظروا ولم يروك فى فراشك ودخلوا علىَّ قتلونى بضربة واحدة ، فقال صلى الله عليه وسلم ما معناه كما فى السير: {لن يخلصوا إليك} خطاب ضمان من الحَبيب صلى الله عليه وسلم: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} الأنفال33
مادام حُب رسول الله صلى الله عليه وسلم ساكن فى القلوب ، حُب صادق للحَبيب المحَبوب فإن الله يكشف عن العبد كل ضر ويحفظه من كل عناء ومن كل لغوب ببركة حُب الحَبيب المحَبوب صلى الله عليه وسلم ، والسكينة بالنسبة للمؤمنين تنزل فى قلوبهم إذا صلحت وأصبحت صالحة لتنزلات رب العالمين: {هُو الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ} الفتح4
لكن بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن ظاهره كباطنه وباطنه كظاهره ، ظاهره نور وباطنه نور: {نُّورٌ عَلَى نُورٍ} النور35
وأصبح كله كأنه قلب نورانى أنزل الله سكينته عليه كله: {فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} التوبة40
أنزل الله عليه سكينته وزاده الله فأنزل عليه طمأنينته ، والطمأنينة تنزل لمن؟ للذاكرين بالقلوب وبالروح لرب العالمين: {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} الرعد28
وزاده الله فأنزل عليه أُنسه ، آنسه بوجهه وآنسه بجماله وآنسه بكماله ولذلك قال لصاحبه عندما قال له: يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا ، قال: {يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللّهُ ثَالِثُهُمَا}{1}
كان فى أُنس بمولاه لا يستطيع أحد من الأولين والآخرين وصفه لأنه أُنس حَبيب الله بالله ، يكفى فى وصفه قول الله لمن أراد أن يلمح ذلك بعين قلبه: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} التوبة40
كان فى الغار اثنان والخطاب فى اللغة العربية كان يقتضى أن يقول ثالث اثنين لكن الله قال {ثَانِيَ اثْنَيْنِ} لأن الحبيب غاب فى مولاه وفنى بالكلية فى حضرة الله فأصبح غائباً عن نفسه موجوداً بمولاه ، فلم يعد هناك مثنوية لفناءه بالكلية فى الحضرة الإلهية
وأنزل الله عليه من جند لطفه ما لا يستطيع أحد من الأولين والآخرين ذكره أو عده يكفى أن تعلم فى هذا الميدان أن الله تجلى على قلبه بكل أسماءه وصفاته ، وكان كل وصف من أوصاف الله معيناً لحَبيب الله ومُصطفاه، وعوناً له فى مواجهة أعداءه وأعداء الله
وهناك تأييدات ذاتية وهى لأهل المشاهدات العيانية الذين يتلقون شفاهاً من رب البرية والتأييدات الذاتية أن الله كشف عنه الحجب وواجهه بجمالاته الوهبية ، آنسه بوجهه والأُنس يجعل الإنسان يغيب عن الأكوان ولا يشعر بأحد إلا بحضرة الرحمن وجعله الله فى هذا المجال ليس له اعتماد ولا استناد ولا توكل إلا على من يقول للشئ كن فيكون {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الأنفال64
معك الله ومن اتبعك من المؤمنين: {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ} التحريم4
ومن كان الله مولاه هل يُرِد أحداً آخر؟ {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} الطلاق3
فكان صلى الله عليه وسلم يشاهد تجليات الله ويعلم أن الله هو الذى يأويه وهو الذى يسانده وهو الذى يُعزز وهو الذى ينصره وهو الذى يقويه ولذلك كان صلى الله عليه وسلم فى عز دائم بحضرة الدائم عز وجل: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} المنافقون8
{1} الصحيحين البخارى ومسلم عن أبى بكر رضي الله عنه