الاعتكاف هو لزوم المسجد بنية مخصوصة، لطاعة الله تعالى: وهو مشروع مستحب باتفاق أهل العلم، قال الزهري رحمه الله: ''عجبًا للمسلمين! تركوا الاعتكاف، مع أن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم،
الاعتكاف هو لزوم المسجد بنية مخصوصة، لطاعة الله تعالى: وهو مشروع مستحب باتفاق أهل العلم، قال الزهري رحمه الله: ''عجبًا للمسلمين! تركوا الاعتكاف، مع أن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ما تركه منذ قدم المدينة حتّى قبضه الله عزّ وجلّ''.
ففي العبادات من الأسرار والحكم الشيء الكثير، ذلك أن المدار في الأعمال على القلب، كما قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: ''ألاَ وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسَدت فسد الجسد كلّه، ألاَ وهي القلب'' رواه البخاري ومسلم.
وأكثـر ما يفسد القلب الملهيات والشواغل الّتي تصرفه عن الإقبال على الله عزّ وجلّ من شهوات المطاعم والمشارب والمناكح وفضول الكلام وفضول النوم وفضول الصحبة، وغير ذلك من الصوارف الّتي تفرق أمر القلب، وتفسد جمعيته على طاعة الله، فشرع الله تعالى قربات تحمي القلب من غائلة تلك الصوارف، كالصيام مثلاً، الصيام الّذي يمنع الإنسان من الطعام والشراب، والجماع في النهار، فينعكس ذلك الامتناع عن فضول هذه الملذات على القلب، فيقوى في سيره إلى الله، وينعتق من أغلال الشهوات التي تصرف المرء عن الآخرة إلى الدنيا.
وكما أن الصيام درع للقلب يقيه مغبة الصوارف الشهوانية، من فضول الطعام والشراب والنكاح، كذلك الاعتكاف ينطوي على سرّ عظيم، وهو حماية العبد من آثار فضول الصحبة، فإن الصحبة قد تزيد على حد الاعتدال، فيصير شأنها شأن التخمة بالمطعومات لدى الإنسان.
وفي الاعتكاف أيضًا حماية القلب من جرائر فضول الكلام، لأن المرء غالبًا يعتكف وحده، فيُقبل على الله تعالى بالقيام وقراءة القرآن والذكر والدعاء ونحو ذلك.
وفيه كذلك حماية من كثرة النوم، فإن العبد إنّما اعتكف في المسجد ليتفرّغ للتّقرّب إلى الله، بأنواع من العبادات، ولم يلزم المسجد لينام.
ولا ريب أن نجاح العبد في التخلص من فضول الصحبة، والكلام والنوم يسهم في دفع القلب نحو الإقبال على الله تعالى وحمايته من ضدّ ذلك.
وقد اعتكف عليه الصّلاة والسّلام في العشر الأوائل من رمضان ثمّ العشر الأواسط، يلتمس ليلة القدر، ثم تبيّن له أنّها في العشر الأواخر فداوم على اعتكافها.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يجاور في العشر الّتي وسط الشهر، فإذا كان من حين تمضي عشرون ليلة، ويستقبل إحدى وعشرين، يرجع إلى مسكنه، ورجع من كان يجاور معه، ثم إنّه أقام في شهر، جاور فيه تلك الليلة الّتي كان يرجع فيها، فخطب النّاس، فأمرهم بما شاء الله، ثم قال: ''إنّي كنت أجاور هذه العشر، ثم بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر، فمن كان اعتكف معي فليبت في معتكفه، وقد رأيت هذه الليلة فأنسيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر، في كل وتر، وقد رأيتني أسجد في ماء وطين''.