من أساليب التربية النبوية
من أساليب التربية النبوية الحـــوار قد يمر الرسول صلى الله عليه وسلم في مكان فيرى أمراً يستحق التعليق عليه ، أو يسمع كلمة فيلقي الضوء عليها ، فتكون هذه الكلمات من رسول الله صلى الله عليه وسلم عظة وعبرة تؤثر في نفوس أصحابه ، وقد يحاور أصحابه ليصل معهم إلى فكرة يثبتها في عقولهم ، أو يرشدهم بها ويهذب نفوسهم ، ويدلهم على طريق الخير الموصل إلى رضاء الله تعالى . من ذلك ما رواه عمر الفاروق ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بسَـبْيٍ ، فإذا امرأة من السبي ( الأسرى ) قد تحلَّب ثديها إذ وجدت صبياً في السبي ، فأخذته فألزقته ببطنها فأرضعته . فقال رسول الله صلىالله عليه وسلم : (أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار وهي تقدر على أن لا تطرحه ؟ قلنا : لا والله . قال : فالله تعالى أرحم بعباده من هذه بولدها ). وكثيراً ما كان السبي في ذلك الوقت ، وكثيراً ما كانت النساء يفعلن ذلك بأولادهن ، فهذا أمر عادي ألفه الناس ، فهو جزء من حياتهم اليومية ، ففقدوا بهذه العادة التلذذ بمعنى الأمومة والأبوة .. فنبههم رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو المعلم العظيم - إليها فتذكروها ، ثم قادهم إلى أهم من ذلك . قادهم إلى حب الله إياهم ورحمته بهم ، فإذا الله تعالى بقوته وعظمته وسلطانه ـ وهو ليس بحاجة إليهم ـ يحبهم هذا الحب الكبير ، أفلا يستحق ـ سبحانه ـ أن يبادلوه حباً بحب ؟ ! هم عبيده يحتاجونه في كل لمحة وحركة ، في كل طرفة عين ونَفَسٍ ، نواصيهم بيده ، ماض فيهم حكمه ، أفلا يتوجب عليهم أن يخلصوا في عبادته والإنابة إليه ، والعمل بما يرضيه ؟!.. إنها لفتة عظيمة من المعلم العظيم صلى الله عليه وسلم . وهذا أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو حكيم فيما يروي البخاري : يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحاوره قائلاً : يا رسول الله من أبرُّ ؟ ( يريد أن يكون من أهل الله الذين يبغون ثوابه ويخافون عقابه ) . قال صلى الله عليه وسلم : (أمك) . ( كلمة واحدة تعبر عن إرضاء الأم الكريمة ذات الفضل العظيم الذي لا يدانيه فضل ، فالجنة تحت أقدامها ) . قال : قلت : من أبرُّ ؟ ( أي من أبرّ بعدها يا رسول الله ؟) قال صلى الله عليه وسلم :( أمك) . ( إذن ففضلها كبير يا رسول الله ، لا يدانيه فضل مهما علا وسما ) . قلت : من أبرُّ ؟ ( من في المرتبة الثالثة بعد الأولى والثانية المخصصتين للأم حفظها الله ورعاها ؟)\قال صلى الله عليه وسلم : (أمك) . ( الله أكبر ، إنها كلمة كررها رسول الله تنبئ عن فضل الأم ، فهي نبع الحنان ونهر الرحمة وسحائب الغفران ، إرضاؤها خطير وإكرامها واجب كبير ) . قلت : من أبرُّ ؟ ( أهناك من أبره بعدها يارسول الله ؟ ، هي في المقام الأول والثاني والثالث ، هي باب الجنة ومفتاح الخيرات . ) قال صلى الله عليه وسلم : (أباك) . ( فهو المربي والأسوة الحسنة لأولاده ، يشقى لأجلهم ويتعب لراحتهم ، رضاه من رضى الرب ، وسخطه من سخط الرب إكرامه واجب وحبه لازب ، أدخلهما الله جميعاً جنته في الفردوس الأعلى ) . ثم الأقرب فالأقرب إنه الدين العظيم الذي يدعو : إلى الإحسان والبر ، وإلى التوقير والاعتراف بالفضل ، والذي يدعو إلى صلة الأرحام ، وبناء مجتمع المحبة والوئام .) . والحوار الذي يقوم على طرح الأسئلة من الرسول صلى الله عليه وسلم على أصحابه ، أو من الصحابة على رسول الله صلى الله عليه وسلم يثير الانتباه ، ويحرك الذكاء ويقدح الفطنة ، فتراهم يرتوون من حكمته صلى الله عليه وسلم في قالب من الاقتناع والحوار الهادف . تعال معي لترى مصداق ما قلناه : عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن أباه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني نحلت ( أعطيت ) ابني هذا غلاماً كان لي . قال صلى الله عليه وسلم : (أكلَّ ولدك نحلته مثل هذا )؟ قال : لا . قال صلى الله عليه وسلم :( فأرجعه ). وفي رواية : ( اتقوا الله واعدلوا في أولادكم ) . وفي رواية : ( فلا تشهدني إذن ، فإني لا أشهد على جور أبداً ) ، وفي رواية ثالثة : ( فأشهد على هذا غيري ) . ثم قال :( أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء )؟ قال : نعم . قال :( فلا إذن) متفق عليه ، وهو في رياض الصالحين الحديث / 341 / . حوار هادف وضح فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن العدل بين الأبناء مطلوب ، وأن البر بهم يؤدي إلى برهم بوالديهم ، وأنه كما تدين تدان . كما وضّح الحديث أن على الإنسان ألا يشهد بغير الحق والعدل ، وأن عليه تبصير الناس بأمور دينهم ، وأن يكون الداعية عوناً لإخوانه على إرضاء الله عز وجل . ومن الحوار الذي أثرى فيه الحديث عن فضيلة الصدقة والحث عليها ، ما رواه عباللهد بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله )؟ قالوا : يا رسول الله ، ما منا أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه . فقال صلى الله عليه وسلم :( اعلموا أنه ليس منكم أحد إلا مال وارثه أحب إليه من ماله ، مالك ما أنفقت ومال وارثك ما أخرت) . محاورة وضعت النقاط على الحروف بأسلوب مقنع واضح لا تعقيب عليه . ومن الأحاديث التي بينت صغار الدنيا وهوانها على الله تعالى : ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق ... فمر بجدي أسكَّ ( الأسك : مصلوم الأذنين ومقطوعهما ) ميت ، فتناوله بأذنه ثم قال :( أيكم يحب أن هذا له بدرهم )؟ قالوا : ما نحب أنه لنا بشيء . ( أو ما نصنع به ؟ ) قال :( أتحبونه أنه لكم )؟ قالوا : والله لو كان حياً كان هذا السك عيباً فيه ، فكيف وهو ميت ؟! قال :( فوالله ؛ للدنيا أهون على الله من هذا عليكم ). أسلوب حواري عملي ، يرى رسول الله جدياً ميتاً ، مقطوع الأذنين ، تزكم رائحته الأنوف ، يمسكه من إحدى أذنيه ويعرضه على أصحابه ، أن يشتروه بدرهم ، فيأبوا ذلك ، وماذا يفعلون بجيفة قذرة ؟ ولو كان حياً وهو مقطوع الأذنين ما رغبوا فيه فكيف وهو ميت ؟! وحين يصلون إلى هذا القرار يعظهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء. د . عثمان مكانسي |
فداك أبي وأمي يا رسول الله
|
الساعة الآن 01:07 PM. |
Powered by Alwaha® Version
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.